تشير البيانات الأخيرة إلى أن الاقتصاد البريطاني يظهر استمرار ضعف الأداء. أشار التحليل إلى أن مبيعات التجزئة جاءت أقل من المتوقع، وتوقعات الاستثمار التجاري قاتمة، وتراجع التجارة مع الاتحاد الأوروبي، مما يشير إلى وجود مخاطر نزولية متعددة التي تدل على أن نمو الاقتصاد البريطاني في الربع الأول من هذا العام غير متفائل، وفي ظل تراجع التضخم غير المتوقع، تتزايد التوقعات بأن البنك المركزي البريطاني سيخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر.
الاقتصاد يظهر استمرارًا في الضعف
أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني مؤخرًا أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة ارتفع بنسبة 0.1٪ على أساس شهري في نوفمبر 2024. في ذلك، نما قطاع الخدمات بنسبة 0.1٪، بينما انكمش قطاع الصناعة بنسبة 0.4٪، وزاد قطاع البناء بنسبة 0.4٪. في سبتمبر وأكتوبر من العام الماضي، انكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.1٪ على أساس شهري.
على الرغم من أن الاقتصاد البريطاني شهد بعض النمو في نوفمبر من العام الماضي، فإن الاقتصاد البريطاني سجل نموًا صفرًا على أساس شهري في الأشهر الثلاثة التي انتهت في نوفمبر. وكان البنك المركزي البريطاني قد توقع في وقت سابق أن يظهر الاقتصاد البريطاني أيضًا نموًا صفرًا في الربع الرابع من العام الماضي.
قال كبير الاقتصاديين في معهد المديرين البريطانيين (IOD) إن الاقتصاد البريطاني كان أقل من التوقعات في أربعة من الأشهر الخمسة بين يوليو ونوفمبر 2024، ومن المحتمل أن الاقتصاد قد دخل في حالة ركود في النصف الثاني من 2024.
شهدت بيانات التجزئة في ديسمبر انخفاضًا غير متوقع، مما يزيد من خطر انكماش الاقتصاد في الربع الرابع. أظهرت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية أن مبيعات التجزئة في ديسمبر انخفضت بنسبة 0.3٪ على أساس شهري، بينما تم تعديل بيانات نوفمبر لتسجل زيادة بنسبة 0.1٪ على أساس شهري. في الربع الرابع من العام الماضي، انخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 0.8٪ على أساس شهري، في حين ارتفعت بنسبة 1.9٪ على أساس سنوي.
بعض المؤسسات البحثية غير متفائلة بشأن نمو الاقتصاد البريطاني في الربع الأول من هذا العام. يتوقع معهد الاقتصاد والبحوث الاجتماعية الوطني في المملكة المتحدة أن يشهد الاقتصاد البريطاني نموًا بنسبة 0.3٪ فقط في الربع الأول من عام 2025.
التجارة مع الاتحاد الأوروبي تتراجع
شهدت التجارة مع الاتحاد الأوروبي أيضًا انخفاضًا في صادرات وواردات المملكة المتحدة. تظهر بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية أنه في نوفمبر من العام الماضي، بلغت صادرات المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي 14.1 مليار جنيه استرليني، منخفضة بنسبة 1.3٪ عن الشهر السابق، بينما استوردت المملكة المتحدة سلعًا من الاتحاد الأوروبي بقيمة 25.6 مليار جنيه استرليني، منخفضة بنسبة 1.2٪ على أساس شهري.
ويعتقد بعض المحللين أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الرئيسي للمملكة المتحدة، وأن التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تأثرت بشكل كبير نتيجة للفراغات التي أحدثها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في إدارة الحدود الجمركية للسلع، مما أثر سلبًا على نمو الاقتصاد البريطاني. وقد دعت منظمات مثل غرفة التجارة البريطانية الحكومة إلى تعزيز جهودها لتعزيز التجارة في المملكة المتحدة.
التوقعات بمزيد من انخفاض الفائدة
أظهرت البيانات أن التضخم في المملكة المتحدة قد تراجع بشكل غير متوقع في ديسمبر 2024، مما دفع السوق إلى إعادة الرهان على أن البنك المركزي البريطاني سيخفض أسعار الفائدة بشكل أسرع، مما دفع أسواق الأسهم البريطانية إلى الارتفاع بشكل كبير الأسبوع الماضي. كما ساهم ضعف الجنيه الإسترليني في دفع مؤشر FTSE 100 البريطاني إلى أعلى مستوى له في 17 يناير، مرتفعًا للأسبوع الرابع على التوالي.
نظرًا لتوقعات السوق بزيادة التضخم ومخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، بلغ عائد سندات الحكومة البريطانية لأجل 30 عامًا أعلى مستوى له في أكثر من 20 عامًا، ولكنه تراجع مؤخرًا بعد صدور أحدث بيانات التضخم والنمو الاقتصادي.
في ديسمبر من العام الماضي، انخفض مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة المتحدة بنسبة 2.5٪ على أساس سنوي، بعد أن كان 2.6٪ في نوفمبر، كما تراجع معدل التضخم الشهري إلى 0.3٪، كما تراجع معدل التضخم الأساسي من 3.5٪ إلى 3.2٪.
في أغسطس ونوفمبر من العام الماضي، قام البنك المركزي البريطاني بخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في مرتين، ولكنه أبقى سعر الفائدة دون تغيير في ديسمبر بسبب المخاوف من زيادة المخاطر التضخمية.
توقعات لخفض الفائدة في فبراير
وفقًا لبيانات مجموعة بورصة لندن، يعتقد المتداولون أن البنك المركزي البريطاني لديه احتمال بنسبة 82٪ لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في فبراير، ومن المتوقع أن يخفض أسعار الفائدة بمقدار 66 نقطة أساس طوال عام 2025.
وفي 17 يناير، رفع صندوق النقد الدولي (IMF) تقديراته لنمو الاقتصاد البريطاني في عام 2025 بنسبة 0.1 نقطة مئوية إلى 1.6٪، في حين أبقى توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني في 2026 عند 1.5٪.
قال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير-أولييفيه غورنشا، إن رفع التوقعات يعكس تأثير الميزانية الإيجابية التي أعلنها وزير المالية البريطاني رييفز في أكتوبر 2024، مما سيساهم في تعويض الآثار السلبية للضرائب المرتفعة بزيادة الاستثمارات العامة. كما أن زيادة الدخل الأسرى والتوقعات بخفض الفائدة من البنك المركزي البريطاني سيكونان عاملين إيجابيين. وأضاف أن البنك المركزي البريطاني قد يخفض أسعار الفائدة في 2025 بمعدل ربع نقطة فائدة كل ربع سنة.
التأجيل في تطبيق متطلبات رأس المال الأكثر صرامة
أعلن البنك المركزي البريطاني في 17 يناير أنه سيؤجل تنفيذ متطلبات رأس المال الأكثر صرامة للبنوك بموجب "اتفاقية بازل 3.1" لمدة عام حتى يناير 2027. وكان قد تم التوصل إلى هذه الاتفاقية الدولية بعد الأزمة المالية العالمية في 2008.
وقالت الهيئة التنظيمية للرقابة المالية في المملكة المتحدة (PRA) إن المزيد من الوقت مطلوب لكي تصبح خطة تنفيذ هذه المتطلبات أكثر وضوحًا في الولايات المتحدة، كما تعتبر المنافسة والنمو الاقتصادي من العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار.
ضغط سياسي من حكومة حزب العمال
تضغط حكومة حزب العمال في المملكة المتحدة على الهيئات التنظيمية البريطانية من أجل اتخاذ مزيد من التدابير لدفع النمو الاقتصادي. وأكد وزير المالية، رييفز، مؤخرًا على ضرورة أن تلعب الهيئات التنظيمية دورًا رئيسيًا في هذا السياق.
كما أعلن البنك المركزي البريطاني أنه سيقوم بتعديل بعض من متطلبات اتفاقية بازل وفقًا لاحتياجات النظام المصرفي المحلي، بما في ذلك متطلبات رأس المال للقروض الممنوحة للشركات الصغيرة.